القائمة الرئيسية

الصفحات

الأخبار[LastPost]

بول ديراك

بول ديراك كان شخص عجيب، في شبابه كان - حرفيًا - يتحدث بكلمتين أساسيتين مع الناس (نعم، لا)، لدرجة إن بعض الفيزيائيين كانوا يقولون إن بول ديراك هو أول نسخة من الكومبيوتر (0،1).
.
وفي لقاء ل "جورنال ولاية ويسكنسون" جاوب المحرر بـ 20 كلمة فقط معظمهم (نعم، لا)، كان قليل الكلام لدرجة إن رفاقه عملوا وحدة للكلام سميت الـ ديراك، وتساوي كلمة/الساعة
.
كان ديراك لا يتحدث إلا إذا اتسأل، في مرة كان عنده ضيف فرنساوي، الضيف ضعيف في الانجليزية ولذلك حاول جاهدًا إنه يتكلم بالانجليزية وهو متصور إن ديراك بيتكلم انجليزي فقط، وبين لجلجة الرجل ومحاولاته للنطق تدخل اخت ديراك تتحدث بالفرنساوي مع ديراك فيرد عليها، فالضيف ينزعج جدا ويقول "طيب ليه لم تقل إنك بتعرف فرنساوي؟" يقوم ديراك يرد "أنت لم تسألني".
.
ومرة في أحد المحاضرات واحد رفع ايده وقال "المعادلة اللي فوق على الشمال لم أفهمها"، سكت ديراك قليلا ثم استكمل كلامه، فالمشرف على المؤتمر أوقف ديراك وقال له "انت لم تجب عن سؤال الرجل" فرد: "ده مكانش سؤال، دا كان تعليق"
.
ربما ده كان له علاقة بطفولة ديراك، والده كان صارم جدا، مطلوب طاعة للأوامر مع التزام شديد بنمط حياة محدد معزول عن المجتمع؛ بحيث يتحوّل المنزل إلى ثكنة عسكرية لا يدخلها إلا عدد نادر للغاية من الضيوف والأقارب، وكان والده مُدرّس اللغة الفرنسية الصارم، يهتم بشدة أن يتعلم ديراك وإخوته في أفضل المدارس والجامعات، ويُصر أن يتحدث كل من ديراك وإخوته معه ومع بعضهم البعض بالفرنسية فقط، وبدون أخطاء لأن الخطأ يعني عقاب شديد.
.
تسبب ده ربما في أنْ حاول "ديراك" تقليل الخطأ الممكن حدوثه عبر تقليل كمّ الكلام بينه وبين أبيه واستخدام جُمل قصيرة، بسيطة لغويًا، حتى يسهل عليه تكوينها بالفرنسية، ولذلك كان لا يُجيب إلاَّ في حدود السؤال، وكان لا يجيب بجمل كاملة مطوّلة، بل بكلمات ذات مقاطع صغيرة، وبقيت تلك الصفة تشكِّل جزءا رئيسًا من شخصية "ديراك" لفترة طويلة من حياته.
.
وربما لنفس السبب كان نظام حياة ديراك ثابت كالساعة، خمسة أيام عمل ويومين للراحة وللتنزه، وكان يعشق المشي وحيدًا أكثر من أي شيء آخر، ويتصوّر أنه فرصة قيّمة للتأمل، بل ربما أذهل البعض بقدراته العالية على المشي لمسافات طويلة للغاية في الغابات والجبال دون كلل أو ملل، وتسلق "ديراك" قممًا كثيرة، وحده في أغلب الأحيان.
.
ديراك هوّا اللي توقع وجود جسيمات المادة المضادة، وهي مادة تتكون من جسيمات تشبه المادة العادية التي نعرفها لكن مع شحنة متعاكسة. لما قابل "مارجيت فاجنر" أخت صديقه، كانت طباعها تقريبًا ضد طباعه، تتحدث كتيرا، وتكوّن علاقات اجتماعية بسهولة جدا، ومنفتحة على العالم، وهو صامت هادئ بسيط يتحرّج لمجرد إن حد وجّه ليه الكلام، كانت تبعت له رسالة من 8 صفحات كل ثلاثة أيام، فيرد بسطرين.
.
لكن الغريب في هذا الأمر أنها تفهّمته وتفهّمها، الجميع توقعوا مستقبل كارثي لهذه العلاقة، لكنهما تزوجا وعاشا معًا وأحبا بعضهما حتى آخر العمر، لقد تزوج السيد ديراك من جسيمه المضاد!

تعليقات